شاء القدر أن يلعب لعبته ويتحول الشاعر من إنسانٍ مرهف إلى إنسانٍ متهم، وأن ينتصر الباطل على الحق في زمن ٍ بات المظلوم خلاله ظالم وصاحب الحق قابع خلف قضبان زنزانته يكتب الشعر أبيات. هذا ما أراده أعداء النجاح والفن والمتضررين من نجاحات الشاعر اللبناني حسين إسماعيل الذي أصبح متهم في حين أن المجرمين أحرار ولكنهم قابعين في سجون أمراضهم وعقدهم النفسية. تمكنوا من إدخال صاحب الكلمة البلدية إلى الزنزانة لأن نجاحه جعلهم سجناء أنفسهم، ولكنهم لم يدركوا أن الحرية قادمة لا محالة وأن كلمة الحق سوف تقال مهما طال الزمن. صادق الدفتر والقلم وكتب عن الأصالة والحب والحنان والعادات والتقاليد التي نشأنا عليها، وغنى من كلماته نجوى كرم وفارس كرم وديانا حداد ووسام الأمير وجوزيف عطية ونادر الأتات وربيع الأسمر ودارين حدشيتي ونهوى وناصيف زيتون وغيرهم من النجوم اللبنانيين والعرب، ومن داخل زنزانته في سجن رومية عبّر ل “نحنا” عن إحساسه بالظلم وعن مدى شوقه للحرية والأهل والأصحاب.
أصحابي في الحرية هم أصحابي في السجن
بدأ حسين إسماعيل حديثه ل “نحنا” بعزيمة الشاعر الذي لم تنل منه حيطان السجن وقضبان زنزانته، وأكد على وجود شخص ما كان السبب في إدخاله السجن، وقال بالحرف الواحد “في حدا بالوسط الفني ما بدو اياني كون موجود ولا يكون الي وجود وما بدو يكون الي اي كلمات، يعني بكل صراحة حاول كتير يمحيني عن الوجود وما كان قادر، إكتفى بسجني وكان مفكر انو يلغيني ولكن ما كان عارف انو العقل والفكر لا يسجن. وأنا من داخل سجني بقول اللي كانوا أصحابي بالحرية بعدهن أصحابي بالأسر اللي هنّي القلم والورقة”.
القاضي يدرك أنني مظلوم
كما يقال “ياما بالسجن مظاليم”، ينطبق هذا القول على حسين إسماعيل الذي لم يحاكم حتى الأن مثل غيره من الأبرياء الذين لم يحاكموا بسبب تقاعس القضاء عن تحريك ملفاتهم وعدم وجود أي قرار من وزارة العدل لتعجيل محاكماتهم، وقال حسين “في أي دولة يبقى السجين بلا حكم ل 396 يوم إلا عنا في لبنان، أنا لو مرتكب أي غلط كان القاضي حكمني بس القاضي بيعرف إنّي مش أنا الشخص المطلوب، وليش بعدني بالسجن حتى الأن أنا مش عارف، وصار المحامي مقدم أكثر من عشر مرات طلب إخلاء سبيل وحتى الأن ما مشي الحال، وأنا بأكدلك انو في كتير كلام وكل شي بوقته حلو لأن رقبتي الأن تحت رحمة الدباح”.
تغيرت نظرتي بالأصدقاء ونجوى كرم يدها مكسورة
عندما يسقط الإنسان ويتحول بنظر الأخرين إلى متهم تتحكم غريزة الباطل في البعض ويتخلون عن الحق ويصبحون شياطين لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وهذا ما حصل مع حسين الذي تخلى عنه نسبة كبيرة من النجوم الذين غنّوا من كلماته، وقال “تغيرت نظرتي بأصدقائي ولما تسقط بتعرف مين الك ومين عليك وكنت مفكرهم أهل وأصحاب بس السجن خلاني أعرف من الصديق من العدو، ومن الفنانين اللي ما تخلوا عني الملحن وسام الأمير والفنان أيمن زبيب وربيع الأسمر، ولكن الباقيين كلهم تخلوا عنّي”. وعندما سألته عن نجوى كرم التي غنّت من كلماته “خليني سوفك بالليل، يا بياع اليانصيب، الله يشغلوا بالو” قال وبنبرة تدل على خيبة أمل كبيرة “نجوى كرم مشغولة بعالم تاني ولا كأنها بتعرف إني بالسجن”، وعندما قلت له بأن نجوى كرم “بيطلع بإيدها”، قال “بيطلع بإيدها بس إيدها مكسورة والله يسّر أمرها وأنا بعرف كيف اطلع من محنتي، وبس اطلع الي كلام تاني”.
مشتاق للحرية والأهل والجيران
مثل غيره من السجناء الذين سلبت منهم حريتهم يبحث عن النور والصوت والإنسان، وعن شوقه الكبير قال “شتقت للضو لأني عايش بزنزانة سوداء شتقت للصوت لأني ما عم شوف حدا، شتقت للإنسان بس انقرضت الإنسانية، شتقت إلك يا موسى لأنك عم تسمعني، شتقت لأهلي ولجيراني ولكل الناس شتقت للجبل والوادي والعصافير ولشرب القهوة عند جاري الختيار وجارتي الختيارة، شتقت للتنور والطاحونة وكل شي بذكرني بأهل الأصالة، شتقت للمطر للنجمات، شتقت ل ستي وحكاياتها، شتقت للحرية وما أغلى من الحرية إلا الحرية”. وقال والحزن في عيونه “صدقني الموت أهون من السجن”.
لم يقتل السجن حلم الشاعر بل زاده إصراراً على الكتابة من داخل الزنزانة التي تعبر عن “العتب والجروحات والويلات والدمعات والحسرات”، حيث يخصص حسين إسماعيل كل وقته داخل سجنه للكتابة ولم ينتهي حلمه داخل القضبان بل من خلف القضبان سوف تغرد كلماته الحرة التي كتبها في سجنه وسيغنيها ألمع النجوم اللبنانيين والعرب، وقريباً بعد نيله الحرية سوف نتفتح الصفحات ونضع الحروف على الكلمات ونقول الكلام الذي يجب أن يقال.