STAR WEEKاخبار

وديع الصافي.. القديس الذي أكرم الحياة فأكرمته

موسى عبدالله – نحنا: قبل أربعة أعوام تخرسن اللسان وأصبح الكلام صامت لا جدوى له، وأصبحت الشمس حزينة ارتدت سواد الليل وتحول نورها الى ظلام، وباتت سماء لبنان قطعة مهجورة، وبيوتها الصامدة التي شيدها المعمار عمها الحزن، وأهلها في الجنوب والشمال والبقاع والجبل وجيرانهم في بلاد الشام ومصر والمغرب العربي والخليج العربي ذرفوا الدموع على من كان قديساً على الارض، على من كان رمزاً للسلام والمحبة والاخلاق والتواضع، على من كان هو جبل وسهل وبحر لبنان، على من كان للدنيا صباح، زرفوا الدموع على رحيل عملاق لبنان والعالم العربي الراحل وديع الصافي الذي فارق الحياة في الحادي عشر من تشرين اول/اكتوبر 2013.

رحل تاريخ لبنان المعاصر الذي لم يتخلى عن وطنه لا في الحروب ولا في الويلات، رحل من كان رجل من رجال الاستقلال، اجل رجل من رجال الاستقلال لان قيمته لا تقل ابداً عن رجال الاستقلال، ولا نبالغ اذا قلنا انه اهم منهم لان ما قدمه للوطن لم ولن يقدمه اي لبناني لا في الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل، لانه وهب نفسه من اجل اسم لبنان، وهو الذي تنقل بالسفن من اجل لبنان وكان ريس الميناء والبحرية. رحل من كان رمزاً للسلام وعنواناً للتعايش والمحبة والتسامح، رحل من كان هو لبنان كل لبنان، من كان قلب الوطن النابض، من كان عقل لبنان المشع والمنير بكل ما هو خير، من كان روح لبنان التي تتنفس الهواء العليل بالجرود والوديان والجبال الخضراء.

رحل وديع الصافي وتيتمت من بعده الاغنية اللبنانية والعربية واصبحت بدون والد يرعاها ويحن عليها ويخاف عليها ويسهر الليل ويصله بالنهار، رحل وديع الصافي الذي اطرب الملايين على انغام صوته الخالد في قلوب الملايين، والذي هزت اقدامه اعتى المسارح والخشبات، رحل وديع الصافي وترك قلعة بعلبك واعمدتها بدون اساسات لانه هو الحجر الاساس الذي كانت تستند عليه هذه الاعمدة ولا تخاف السقوط والانهيار لانها كانت تستند على جبل كبير من العطاء والسخاء. رحل وبكت المسارح والخشبات على فرقاه لانها تحن لصوته الصافي الذي كان يقدر كل كلمة يغنيها وكل لحن يعزفه على وتر الاصالة والرُقي.

رحل وديع الصافي وترك خلفه ارث كبير من الاغنيات التي تُدرس في مدارس الفن وجامعاتها، لانه الاستاذ والمعُلم الكبير الذي نتعلم منه معنى الاصالة والحضارة، رحل ومن بعده باتت المسؤولية كبيرة على عاتق من تتلمذ على يده ومن تعلم من مدرسته وشرب من نبعه الصافي، رحل ولا نعلم ما اذا كان تلاميذه على قدر كبير من هذه المسؤولية، ويقول المثل “من خلف ما مات” والكبير وديع الصافي الوالد الروحي لعدد كبير من اهل الفن، ونتمنى ان يتعظوا ويتعلموا من مسيرته الناصة البياض وان يحملوا لواء المسيرة من بعده على الرغم من ان هذه المسؤولية كبيرة ولا نعلم ان كانوا اهل ثقة ومسؤولية، ولكن ما ندركه ان ما قدمه وديع الصافي على صعيد الفن لن يقدمه احد.

بعد أربعة أعوام، نم قرير العين يا قطر الندى، مهما كتبت اقلامنا عنك يا فقيد لبنان الغالي فإن كلامنا نقطة في بحر تاريخك الكبير الذي يحتاج الى مؤرخين وفلاسفة كي يخطوا تاريخك ومسيرتك الكبيرة الناجحة على عشرات الكتب، ومن بعد رحيلك لا نريد كتاب تاريخ يحكي عن لبنان السياسي والجغرافي، نريد كتاب تاريخ موحد عن مسيرتك وحياتك يُدرس في المدارس والجامعات كي نتعلم منه معنى الحياة واصول الحياة ويكون الانطلاقة نحو غد مشرق بالامل والتفاؤل لانك القديس الذي اكرم الحياة فأكرمته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى