موسى عبدالله – نحنا: لا يُقاس نجاح المطرب بالكمية، اذ تُعتبر الكمية أمراً سهلاً وبسيطا، وبإمكان أي فنان طرح عشرات الأغنيات التي لا تحمل الجودة المطلوبة، بينما تبقى النوعية المقياس الحقيقي لإثبات الذات الفنية لأي مطرب، ومن يسعى نحو النوعية يصل الى مرتبة النجاح، ويُعتبر النجم اللبناني رامي عياش واحداً من المطربين القلائل الذين يعرفون جيداً معنى النوعية في ظل التهور الفني لمعظم نجوم الغناءاللبنانيين والعرب.
طرح رامي عياش قبل يومين أحدث أعماله الغنائية بعنوان “أنتي لي” من كلمات علي المولى والحان محمود عيد وتوزيع رامي العلم، وجاءت بقالب غنائي باللهجة الفصحى، حيث قدم عملاً غنائياً مختلفاً من حيث الكلمة واللحن والتوزيع والأداء الذي شكل عمقاً استراتيجياً لهذا العمل الغنائي التي يُصنف تحت خانة النوعية والجودة الفنية العالية.
قدم رامي عياش نفسه بأغنية “أنتي لي” بهوية غنائية جديدة، حيث رفع مستوى المنافسة مع نفسه، اذ نافس نفسه بنفسه دون أن ينظر الى غيره من الفنانين، وهُنا تكمن قوة ذكاءه الذي وُلد معه بالفطرة وعمل على تطويره مع اكتسابه للخبرات طيلة مشواره الفني، اذ وصل لمرحلة من النضوج الفني الإستثنائي، والنضوج الفني لا يصل اليه “مين ما كان” من الفنانين حتى لو امتلكوا القدرات الصوتية، فالنضوج الفني يحتاج الى ثقافة موسيقية ودراسة، وأثبت رامي بأغنية “أنتي لي” ثقافته حيث ظهرت بأداءه وتكنيك صوته.
قامت قصيدة “أنتي لي” على نص شعري حمل صراعاً كبيراً في المشاعر “المتخبطة” بين رفض حقيقة الفراق، ومحاربة ذلك الشعور البائس، حيث رسم علي المولى صوراً شعرية خطيرة في حديث العاشق المكسور مع نفسه، حديث الرجل الذي يرفض الإستسلام، اذ رسم أبعاداً للصراع الداخلي الذي يعيشه الرجل، خاصة وأن الهزيمة في الحب لا يعرف معناها الرجل الصادق بمشاعره، يرفض الهزيمة ويرفع لغة التحدي التي جسدها الشاعر بصور شعرية متناقضة، وكما يُقال بالعامية “قلتي ايه او قلتي لا، انتي الي“.
على صعيد اللحن، قدم محمود عيد نموذجاً حديثاً وعصرياً عن القصيدة الغنائية، حيث جمع في تركيبة اللحن بين الهدوء والإنفعال الموسيقي، وعمل على التجديد والإبتكار والتحرر في موسيقاه اللحنية، حيث تنوع اللحن بين مقامي الكورد والنهاوند مع بعض الاضافات الموسيقية خاصة في المقطع الثاني من اللحن، حيث جاء اللحن تعبيرياً ومتوافقاً مع الكلمة حيث تم تطويع الكلمة وبث الروح بها.
لا يقل التوزيع الموسيقي في أغنية “أنتي لي” قيمة عن عنصري الكلمة واللحن، بل شكل عنصراً قوياً واضافة استثنائية منذ بداية الأغنية حتى نهايتها، اذ جاء التوزيع هادئاً بعيداً عن افتعال الضجيج او التوجه نحو الموسيقى المعقدة في القصائد الغنائية، بل قام التوزيع على السهل الممتنع.
قدم رامي عياش أداءاً خطيراً واستثنائيا، حيث عمل على تطويع الكلمة وابرازها، واستخدم “العُرب” في مكانها، وعمل على التلوين الغنائي كما يشاء، معتمداً على احساسه دون أن يلجأ الى عضلات صوته، بل قدم صوته في البداية على طبقة القرار والتي تُعتبر أصعب بكثير من طبقة الجواب، وبرز صوته في المقطع الثاني بصورة ثانية ومغايرة، حيث رفع القرار ٣ درجات تقريباً دون أن يصل الى الجواب، وهُنا الذكاء والقوة حيث عمل على ابراز غناءه دون إعتماده على العضلات والقدرات الكبيرة التي يتمتع بها صوته، مُقدماً نموذجاً جديداً في الغناء.
مرة جديدة يُثبت رامي عياش أن النجاح ليس بالكمية بل بالنوعية، ويُثبت أيضاً مدى شغفه الفني وتعلقه بالغناء، ويُؤكد على أن الفن ليس تجارة ضارباً بعرض الحائط النظريات التي حاول ويحاول معظم النجوم ترسيخه حول أن الجمهور “عاوز كده”.