موسى عبدالله – نحنا: نفض الإيمان في تحسن الاحوال الفنية في العالم العربي وفي لبنان الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من ذلك العالم الكبير الذي يسع للصالح والطالح. خيبة الامل تخيم على مسمع الكثير من الجمهور والنقاد الفنيين بسبب الانحطاط الفني الذي تقوم به مجموعة ممن يطلقون على أنفسهم مغنيين، والتخبط ضائعين بين مفاهيم العولمة والجسد والجنس، وتحول بعض النقاد الذين باعوا ضمائرهم إلى عامل مشجع على خلط الحابل بالنابل لأن مصالحهم الشخصية عمت عيونهم ولوثت سمعهم وإنقلبت العادات والتقاليد وتحولت من قيم راقية إلى قيم سطحية.
مفاهيم معقدة استطاعت أجساد الحسنوات بقدرة قادر ان تجمعها وتصيغها بأسلوبها لكي نستطيع هضمها، إذ تبدأ هذه الصياغات بالحركات المثيرة وتمايل الجسد بنعومة واغراء شديدين، وبميوعة النظرات والضحكات التي لطالما تميزت بها بنات الليل، وبكثير من النظرات المغرية وحركات الشفاه بطريقة مقرفة، وما زاد الطينة بلة وجود مواقع التواصل الإجتماعي التي إجتاحت العالم وبتنا نرى فنانات من كل حدب وصوب ينشرن صورهن بطريقة مشمئزة ومقززة للبدن، والمضحك المبكي هؤلاء الأغبياء ما يطلق عليهم “فانز” حيت يتمترس خلف كل فنانة بعض الفانزات أو بالأحرى “العانزات” الذين يلعبون دور محامي الشيطان، اضافة الى القنوات على اليوتيوب والتي تساهم في الفساد الفني.
فالصورة التي تظهر بها هذه الفتيات اظهرت أن مجتمعاتنا العربية تعيش في عصر الإنحطاط الفني، حيث عدنا الى زمن الجاريات حيث أن الرقص للسلطان والملك لا يختلف كثيراً عن الرقص للعملة، فجارية اليوم تحاول إقناع نفسها والأخرين بأنها تقدم استعراضا ورسالة هادفة للمجتمع تدر من وراء عريها الكثير. ولا يقتصر ذلك على الجنس اللطيف بل إن الكثير من الشباب الذين يعتبرون نفسهم مغنيين لا يختلفون كثيراً عن الفتيات في أعمالهم الفنية، وما شهده لبنان مؤخراً من ظهور احدى عارضات الأزياء مع أحد المغنيين بكليب إباحي لا يمكن وصفه سوى بالعار الذي يّنذر بأن القادم “وسخ” جداً.
اما الأصوات فحدث ولا حرج على أصوات قبيحة مثل “اشكمانات السيارات”، والخير كل الخير في بعض برامج الهواة التي تقدم مواهب بالية وتافهة، ولكن البركة كل البركة بالأجهزة التي تعمل على تحسين الصوت. وكما هي الحال بالاصوات هناك اغانٍ بلا معنى وبدون اي تماسك وترابط، فالكلمات خاوية وخالية من اي معان، بل انها مفككة ولا تمسنا ولا تثير مشاعر الحب فينا، والألحان باتت مركبة ومكررة وتتشابه بدون وجود أي إبداع أو إبتكار وكأن الساحة الفنية أصابها وباءاً قضى على حس الشاعر والملحن والموسيقي.
لقد ضقنا ذرعا بغباء شركات الانتاج التي لم تستوعب بعد أنها شريكة اساسية مع كثيرين ممن يطلقون على انفسهم صفة ملحنين وشعراء في ترسيخ عملية التدهور الفني، اضافة الى وسائل الاعلام التي وللأسف الغت عقول الجماهير وباتت تتحكم بغريزة الافراد وتغذيها من خلال تلك الصواريخ والكليبات الخليعة التي تطلقها الفضائيات، وإستضافة حُثالى الفنانين والعري من أجل “الريتينغ” الذي ضرب كل قواعد الإعلام، وما يساعد أيضاً في الفساد الفني وجود الصحافة الفنية الإلكترونية التي تساعد على إنتشار الخراب والدمار الفني وتعمل بطريقة صفراء وغير شرعية وكل هدفها الكسب المادي على حساب القيمة الفنية والمعنوية.
نتأسف على هذا الواقع الفني المر والمذل، واذا بقى الوضع على حاله واستمر التراجع الفني سوف نقول بعد اعوام قليلة “سقى الله ايام كان عنا فن هابط”، لأن الفن الجميل أصبح من الماضي، والحاضر اليوم هو الهابط بإستثناء بعض ما يقدمه النجوم من أعمال فنية حقيقية، والمستقبل القادم أشد وطأة من الهبوط.