موسى عبدالله – نحنا: نجح مسلسل “تاج” الذي عُرض في رمضان ٢٠٢٤ بإحداث الفرق في الدراما العربية عامة والسورية خاصة، حيث شكل علامة فارقة في العمل الدرامي ونقلة نوعية نتيجة التكامل الفني الذي تُرجم من خلال تكامل جميع العناصر من السيناريو والإخراج والتمثيل والإنتاج، اذ يُعد واحداً من أفضل الأعمال الدرامية التي تحدثت عن حقبة الإنتداب الفرنسي لبلاد الشام.
قام السيناريو في مسلسل “تاج” على معطيات تاريخية وثائقية حقيقية، اضافة الى الخيال الدرامي الذي شكل بُعداً وتكاملاً مع الرواية الحقيقية للإنتداب بصورة مختلفة عن جميع الأعمال الدرامية السابقة التي تحدثت عن انتداب الأجنبي للدول العربية، اذ كسر الصورة النمطية التي صُورت بها الشام في بعض المسلسلات التي ركزت على صورة العقيد والخناجر والتخلف بعيداً عن العمل النضالي لتحرير الأرض من المحتل الأجنبي.
تقوم الملحمة الدرامية على مجموعة من العناصر التي تمنح أي عمل درامي لقب ملحمة، وجمع مسلسل تاج بين الحرية والحب والنضال والآكشن، وتسليط الضوء على القضايا الإجتماعية التي كانت سائدة في تلك الحقبة الزمنية ومعالجتها بدلاً من تكريسها خاصةً تلك القضايا التي تتعلق بالمرأة ودورها في المجتمع.
كما وتطرق الى مواضيع مهمشة يجهلها معظم السوريين والعرب وتم وضعها في قالب درامي رسم صورة جميلة عن المجتمع في تلك الحقبة وليس كما صورته المسلسلات السابقة، حيث قدم صورة عن بناء الدولة والمجتمع، وتحالف جميع المكونات الشعبية والإجتماعية لبناء الدولة ومحاربة الفساد داخل الأجهزة الأمنية، حيث كان الهدف واحد، تحرير الأرض وبناء دولة للجميع من مختلف الأطياف.
قدم الكاتب عمر أبو سعدة حكاية محبوكة بأحداث تاريخية وأخرى من الخيال خدمةً للمسلسل الذي قام على عنصر التشويق في جميع أحداثه الصغيرة والكبيرة، اذ لم يشعر المتابع بأي نوع من أنواع الملل والرتابة، حيث أدى الجمع بين الحقيقة والخيال الى تقديم مادة صالحة للمشاهدة عنوانها الإمتاع البصري بعيداً عن التفاهة والرخص.
ربط الكاتب بين أحداث مسلسل “تاج” بأسلوب السهل الممتنع من ناحية تسلسل الأحداث وربها بخطوط عريضة وأخرى صغيرة شكلت تكاملاً وعمقاً في السيناريو، وبناء الشخصيات بشكل مترابط من كل النواحي الدرامية التي خدمت كل شخصية، اذ لم يكن هناك شخصية ضعيفة وأخرى قوية، فالشخصيات محبوكة بطريقة متكاملة دون فرض عضلات شخصية على حساب أخرى.
تمكن المخرج سامر البرقاوي من رسم صورة المسلسل بطريقة عالمية من ناحية بناء الديكورات والعودة بالزمن الى حقبة الإستعمار الفرنسي، حيث أعاد رسم ساحة المرجة والمدينة القديمة والأحياء مقدماً لوحة فنية عمرانية مميزة، كما وقدم أحداث الآكش والمعارك والإنفجارات خاصة معركة البرلمان وقصفه بطريقة فنية ممتعة للبصر.
كما ونجح سامر البرقاوي في اللعبة الدرامية والتأثير على الممثلين وإخراج أفضل ما لديهم من مواهب وطاقات تمثيلية خاصة الوجوه الجديدة، اضافة الى الكادرات واللوحات الرائعة الخاصة برياضة “البوكس”، حيث وضع خبراته في أفضل صورة.
قدم جميع الممثلين دون استثناء أدوارهم على أحسن ما يكن، فالكل كان بطلاً في شخصيته ودوره، ونجحت جميع الشخصيات في المنافسة لصالح العمل الذي من النادر أن نجد هذا التناغم والترابط بين جميع ممثليه، كما ومن النادر أن نجد هذا الكم من الشخصيات الناجحة والبارزة.
نجحت شركة “صبّاح اخوان” سيدرز أرت بكسب الرهان وتقديم عمل مختلف ومميز من حيث الجودة والنوعية، والمنافسة على مستوى عالٍ وتسخير جميع الإمكانيات والقدرات من أجل تقديم عمل درامي للتاريخ.