NE7NA BN7KI

رأي خاص – باب الحارة.. وماذا بعد؟

غادة مخول – نحنا: لا شيء يضاهي الحنين الذي ينتابنا عندما نشتاق لهويتنا وجذورنا، فلا شك بأن مسلسل “باب الحارة” أوقد شعلة ذاك الحنين وعاد بنا إلى تاريخ وأحداث مشوّقة بمعطيات فنيّة ذات قيمة عالية. لعب هذا المسلسل دورًا هامًا في تأجج مشاعر المشاهدين المتلهفة لوجود مجتمع بسيط، خالٍ من الطبقية والفوقية حيث لا يُظلَم ولا يجوع فيه إنسان ليكون سالمًا من ظلمة الزمن المادي.

 جسّد باب الحارة منذ جزئه الأول ما كانت عليه البيئة الشاميّة في حقبة الثلاثينات من القرن الماضي والتي كانت صارمة بقوانين لا تتعدى التقاليد الاجتماعية، حشمة المبادىء والقيّم الأخلاقية مثل التآخي، الصدق، الشهامة، الاستقامة وفكرة العدالة المنتظرة، والتي جميعها صوّرت سورًا تاريخيًا لدمشق في أذهان من كان يجهلها، فجمعت الإصرار على الاكتفاء الذاتي الاجتماعي والمسار السياسي المستقّل إضافة إلى تقبّل نوعًا ما هذه البيئة بالانفتاح على الغرباء. فلقد أصبح هذا المسلسل بأحداثه رمزًا لحياة لم يتعرّف إليهامن قبل باقي أبناء الوطن العربي وجاءت بمثابة رهان على إحياء التراث الشامي والنخوّة ضد الاحتلال الأجنبي لفرض هويّة عربية مقاومة غير خاضعة للاستسلام.

 إنها لا شك دراما واقعية وموثقة بتفاصيلها مما يجعلنا نُشيد بأدوار طاقم التمثيل الجدير بالتقدير الذي ضّم أهم الممثلين السوريين أمثال عباس النوري، سامر المصري، وائل شرف، أيمن زيدان، مصطفى الخاني، بسّام كوسا، محمد خير الجرّاح، ميلاد يوسف، صباح الجزائري، شكران مرتجى، وفاء موصللي وصولاً اليوم إلى سلاف فواخرجي. فهؤلاء جميعًا أضافوا إلى هذا العمل وزنًا مثقلاً بثقافة واحترافية الدراما السورية خاصة والعربية عامة. فإن حارة الشام تشبه حارات أخرى أيضًا في جميع البلدان العربية كالقدس، القاهرة ، بغداد وغيرها، ولهذا تبقى تلك الذكريات جزء لا يتجزأ من حب الوطن، و بالرغم من احتواء النماذج الذكوريّة على المرأة والانتقاص من حقوقها آنذاك، إلا أنه عرض حقبة معيّنة حيث كان الرجل هو المعيل وللمرأة دورها في في تدبير شؤون المنزل والحفاظ عليه.

 شكل “باب الحارة” حياة مختلفة عشنا تفاصيلها، لكن إلى متى سنبقى محاصرين داخل هذه الدائرة التي تكرر الدوران حول نفسها؟ كيف للمشاهد أن يحافظ على تلك الصور والمشاهد الجميلة وإلى أين ستأخذنا الإطالة بعد؟..إن تعلقنا الشديد بهذا المسلسل بدأ يتلاشى رويدًا رويدًا وذلك بسبب الحبكة الضعيفة التالية في بقية المشاهد التي لا حوادث مهمة بكل حلقة والتغيير المفاجيء لشخصيات المسلسل التي أحببناها دون استثناء، فتغيّر العقيد ذو الشخصية القيادية والحكيمة الذي ترك مصالحه لخدمة مجتمعه ووطنه إلى رجل رهيف الحّس ومتردد بعض الشيء، ثم أصبح جميع الرجال يعشقون النساء ومبالغتهم بتعدد الزوجات.

 نتساءل..هل هذا ما تبقى من التقاليد والتراث؟ بالطبع لا.. نتمنى على صنّاع هذا المسلسل المهم بطرحه أن يتوقفوا قليلاً والتأمل بما قد يكون للإبداع خيارًا جديدًا وأفكارًا مبتكرة تليق بتاريخ الدراما السورية وألاّ يمحى ما رسخ في الأذهان من جماليات قدمها لنا باب الحارة بأجزائه المتعددة، وهذا ليس انتقاصًا للعمل الجيد ولكن لكسر الرتابة وعدم تسلل الملل إلى المُشاهد الذي استمتع بكل الأجزاء السابقة. فرجاءً أغلقوا هذا الباب الآن؛ إبحثوا عن أبواب جديدة وآفاق واسعة ترتقي بالمُشاهد وبعطاء الدراما السورية السخيّة بكُتّابها وممثليها وصنّاعها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى